كعادة البدايات دوماًًً …
تبدأ بالأفضل؛ و تبدو جميلة ..
و تسمو .. ثم تعلو .. و قد تحلِّق .. بل قد ترفرف …
ثم ما تلبث أن تنحدر .. ثم تتدحرج .. ثم تنحرف .. ثم تسقط …
و لعل الآلاف من تلك البدايات والنهايات قد تكرّر و لمَعَ .. ثم صار نسياً منسيّا …
و كلٌ في خضام هذا المعترك تعتريه مشاعرٌ تتباين ما بينَ احلامٍ سعيدة .. و بداياتٍ وليدة .. و بناياتٍ عتيدة ..
مروراً بالطموح و الرسوخ و الشموخ ..
و انتهاءاً بالمرار و الدمار و الانهيار …
ليس موضوع التفاؤل و التشاؤم من الحديث بمكان؛ و إنما هي دورة بناءٍ و فناء .. متسارعة الوتيرة، وحيدة النمط، و كثيرة التكرار
فكلّما قابلتُ اناساً تفوح منهم رائحة الطموح الجموح؛ لا أبرحهم إلا عاماً أو نيف .. ثم أرىٰ نفس الخاتمة الغاشمة …
ثم وقفتُ عِندَهمُ موقف المشاهد الجاهد و المتأمّل المتمهّل و المحلل المعلل ..
و عهدتهم علىٰ قلب رجلٍ واحد …
فهم يبدأون قبل أنْ يُخطّطوا
و يَقطِفون قبل أنْ يزرعوا
و يأكلونَ و لا يرتعوا ..
و يأملون و لا يفكّرون
و يمشون غيرَ مجتهدين
اندفاعيّين؛ و في الحديث عن المَرامِ انفعاليّين
وَمَنْ يحاول نُصْحَهُم .. مِنَ المُثبِّطين ..
و لَهُم مِنَ الغَفْلَةِ نَصيب
و حظٌ يُخفِقُ لا يُصيب
و مَنْ طَمِعَ فيهِم .. حبيب
الغريب؛ أنّ تكرار التجارب لديهِم لا يُفيد ..
و القديم عِنْدَهم جديد
و لهم ذِهنٌ ضَحْلٌ شَريد
و كلُّ من يثنيهم عنيد
و مَنْ لم يوافقهم بعيد …
هذا كان الابتداء
و للانتهاء
يراك مِن بَعيد في حَرَج
و يداري عنّك الهَرَج
و يستغيث بالفَرَج ..
و كأنّكَ مَنْ أضرَّ بِهِ
و أكلتَ قوت عيالِهِ
و أشنْتَ مِنْ أفعالهِ
و ان كان ذو مالٍ سَبَق …
فالبكاء و الحَسَرات
و قميءِ العبارات
و امواتٍ و رفات ..
تلك الملحمة؛ هي مشهد من تلك المشاهد
و قد كُنْتُ في بعضِها شاهد …
و قَلَّما رأيتُ مَنْ خالفَ تِلكَ المناهِج
و لِغَيْرِ سُنَّةُ الفاشلينَ ناهِج …
فاتَّعظَ بغيْره
و التفتَ لِخَيْرِه
و انْضبطَ بِسَيْرِه
فقيل عنه غريب
و في السلوك عجيب
و أَصمٌ غيْرَ مُجيب ..
فَرَمَوْهُ بالزَنْدقة
و تُهَمٍ مُلَفّقة
و إشاعاتٍ مُنَمّقة …
و لَم يتركوه وَحْدَه
و أدخلوهُ لَحْده
و أفرغوه عَهْده …
فلِمَ لَمْ يُشاركوهُ الحديث ؟
و تربَّصَ بِهِ كلُّ خبيث
و نَكَصَ وعودهُ كُلّ حنيث …
و كانوا يتجرَّدون مِنَ المَنْطِق
و كُلُّ بِالجَهلِ يَنْطِق
و للأمِّيّةِ حظٌ مُطبِق …
و تَربَّصوا بِهِ الدوائر
و حَنَقَ عَلَيْهِ كُلُّ ثائر
و خاضَ بِعِرْضِهِ كُلُّ سائر …
و كالوا لهُ المكاييل
و دسُّوا عَلَيْهِ أيٌ دَخيل
و شاح بِجودِهِ كُلَّ بخيل …
و نَصبوا بشأنِهِ غيْرُ مَحْفَل
و جَمَعوا إليهِ جَيشٌ جَحْفَل
و ذاك .. و عين الله لا تغفل ….
فَرَدّ كَيْدَهُم في نحورِهِم
ووقاهُ عَدْوَ شرورِهِم
و أقَلَّ مِنْ ذِكْر اسمِهِم …
و ما أنتفعوا بِأُنْسِهِم
و لا جِنِّهِم و لا إنسِهِم
و أُعْدِموا بِلِسانِهِم …
فَبَعْدَ أنْ كانوا مُتَضارِعِين
فَتَرَبَّصوا مُتصارِعين
صاروا أثراً بَعدَ عَيْن …
فدأَبَ النَّاجي الانْطِواء
و باع الحَضَرَ بالعراء
و عَرَضَ الصَّحْبَ للشراء …
و رَغِبَ الجاني الالتواء
و جعلوا الدم للارْتواء
و نِعالهم كان الشِّواء
و تقَدَّموا إلىٰ الوراء !
نثر ابن عوض